رُهَابُ المِرآةِ
لا أَعرِفُ ما الَّذِي يَدْفَعُني لِرَسمِ صُورَتِكَ في هذِهِ اللَّحظَةِ الخارِجَةِ عَلى فِيزْيائِيَّةِ الوَقْتِ. ولا أَعرِفُ لِماذا أُفَكِّرُ بِكِتابَةِ هذِهِ السُّطُورِ الغْرانِيتِيَّةِ إلَيكَ بالتَّحدِيدِ. عَلَيَّ الاعْتِرافُ بأنِّي مازِلتُ أُحِبُّكَ رَغْمَ شَرْطِكَ البَيُولُوجِيِّ، ولكنِّي أَخَافُ النَّظَرَ والإِسْرارَ إِلَيكَ، فَلَيْسَ مِنْ حَقِّ المَرْءِ أَنْ يُؤَكْسِدَ أَجْواءَ الآخَرِينَ، حَتَّى لَوْ كانَ مِنْ طَبْعِهِ أَنْ يُؤْلِـمَ مَنْ يُـحِبُّ!
… … …
كُلُّ لَحظَةٍ عابِرَةٍ هي خُطوةٌ باتِّجاهِ هَجِيجٍ صَامِتٍ. كَمْ حَاوَلتُ تَصَيُّدَ الوقْتِ كَي أُغافِلَكَ وأُلْقِيَ خَارِجًا تِلكَ العَوالِـمَ المُنهِكَةَ الَّتي تَحْتَـكِرُ «كَيْنُونَتَكَ»، فَما نَجَحْتُ! تَسَمَّرْتُ في بَحْثٍ أَبَدِيٍّ عَمَّنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُشارِكَنِي مَسَارَكَ الـحَرِجَ، فَما وَجَدْتُ! جَهِدْتُ في تَحقِيقِ مُصَالَحةٍ وسَلامٍ داخِليٍّ مَعَكَ لِأَحْظَى بانْتِماءٍ إِلى زَمانٍ أو مَكانٍ أو وُجُودٍ، فَفَشِلْتُ! سَرَقْتُ الوَهْمَ المُستَقْبَليَّ لأُخْفِيَهُ ثُمَّ أَغْتالَ آنَكَ المُتَيَبِّسَ، فَما قَدَرْتُ! كُلُّ شَيءٍ غَارِقٌ في عَتَمَةِ الرَّأْسِ، وما مِنْ أَحَدٍ قَادِرٍ عَلى إِنْقاذِ ما تَبَقَّى، فَعَجِزْتُ! أَنا وأَنْتَ تَوَحُّدٌ مُطْلَقٌ، وَحَسْبُ…
… … …
هَلْ تَفْقِدُ الأَشياءُ ماهِيَّتَهَا ومُتَعَهَا آنَ يَخْشَى المَرْءُ الحَياةَ؟ سُنُونَ مَضَتْ، ولَمْ تُرِدْ أَنْ تُقِرَّ بِأنِّي أَلْقَيتُ بِها بَعِيدًا، فأَغْلَقْتُكَ خَارجَ العالَمِ، وجَلَسْتُ في عُزْلَتِكَ الحالِكَةِ، ورُحْتُ أَرْثِي حَظَّكَ العَاثِرَ. من المُرِيحِ أَحْيانًا أَنْ تُشْفِقَ عَلَيَّ، ولكِنَّ السِّنينَ تَمضي مِنْ غَيرِ انْتِظارٍ، وأَنا مازِلْتُ أُعَارِكُ لاسْتِعَادَةِ «أَناكَ» الَّتي ما اسْتَطَعْتَ إِيجَادَها قَطُّ، وأُحاوِلُ أَنْ أَكُونَ راضِيًا عمَّا تَفْعَلُ وَعمَّا فَعَلْتُ أو أَنالَ الرِّضَى عمَّا أَفْعَلُ وَعمَّا فَعَلْتَ، وأَسْعَى إِلى أَنْ أَعْرِفَ لِماذا لا أَجْرُؤُ عَلى البَوْحِ بِشَيءٍ عمَّا يُوقِدُ صِرَاعَكَ الوِجْدَانيَّ… فَشِلَتْ مُحاوَلاتُنا!
… … …
أَنْظُرُ إِلَيكَ، فَلا أَقْدِرُ عَلى إِطْلاقِ عَوالِـمِكَ المُغْلَقَةِ مِثْلَما كُنْتُ اعْتَقَدْتُ. كُلَّما كَتَبْتُ كَلِمَةً أو خَطَطْتُ سَطْرًا، تَوَقَّفْتُ مُتَرَدِّدًا وعَدَلْتُ عَنِ ارْتِكَابِ رَغَباتِكَ المُسْتَحِيلَةِ. وكُلَّما فَكَّرْتُ بِصُرَاخٍ رَافِضٍ، أَخْمَدَنِي رُهَابُ مُواجَهَتِكَ. أَنْظُرُ إِلَيكَ، فَأَرانِي عاجِزًا عَنْ كِتابَةِ حَتَّى سَطْرٍ واحِدٍ، لأَنِّي أَخْشَاكَ وأَخَافُ أَنْ أُدْرِكَ كَمْ أَكْرَهُكَ وأُحِبُّكَ فِي آنٍ مَعًا. أَتَفَرَّسُ فِيكَ، فَأَشِيخُ… أَنْظُرُ إِلَيكَ بِإِمْعَانٍ، فَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَوَّرَ لِماذا أو كَيفَ تَـمَكَّنتُ مِنْ أَنْ أَلُصَّ الزَّمَنَ لِلْقِيَامِ بِفِعْلٍ خَارِجٍ عَلى التَّفْسِيرِ، فَأُسَجِّلَ عَجْزَكَ عَنْ تَوصِيفِ انْفِجارِيَ الصَّامِتِ… تَعِبْنا!
… … …
عَبَثٌ.. خُواءٌ.. غَباوَةٌ كُلُّهُ الوَقتُ! لَمْ تَعُدْ واثِقًا مِنْ قُدرَتِي عَلى الاسْتِمرارِ في هكَذا خُواءٍ بارِدٍ عَدِيمِ المَلامِحِ، ولا مِنْ قُدْرَتِكَ عَلى رُؤْيَةِ تَضَارِيسِ الحَياةِ وأَطْيافِهَا. اِغْتِرابٌ يَنْمُو كَتَوَرُّمٍ خَبِيثٍ عَبْرَ كُلِّ شَيءٍ: الأَزمِنَةُ والأَمكِنَةُ والنَّاسُ… اِغْتِرابٌ يَتَسَرَّبُ إِلَى كُلِّ شَيءٍ فِيكَ وَفيَّ! كَمْ مَرَّةٍ حاوَلتُ التَّمَرُّدَ عَلى تَدمِيرِكَ الذَّاتِيِّ فَما وُفِّقْتَ قَطُّ! كُلَّما سَعَيْتُ جاهِدًا لأَسْبُرَ «كَيْنُونَتَكَ»، وَجَدتُّني خَارجَ العَالَمِ وخَارجَ الزَّمانِ وخَارجَ جِغْرافِيَّةِ «أَنْ تَكُونَ»، وكُلَّما قَرَّرتُ أَنْ أَغْتالَ «أَناكَ» قَبْل أَنْ أَغْتالَ «كَيْنُونَتِي»، تَعِبْتُ مِنْ هَواءِ الأَرْضِ ومِنْ أَسْرِ انْفِجاراتِكَ ومِنَ الصَّمْتِ وشَراسَةِ الكِتمْانِ ومِنْ كُلِّ شَيءٍ… يا لِسَعادَتِنا!
… … …
السَّعادَةُ هِيَ أَنْ نَعِيشَها دُونَ أَنْ نُدْرِكَ اللَّعِبَ بِمَعَانِيهَا. مَنْ يَنْشُدِ السَّعادَةَ، يَخَفِ المَوتَ أَكْثَرَ، فَهِيَ تَنْتَمِي إِلى الحَياةِ وتَتَبَدَّى شُعُورًا صِرْفًا رَغْمَ كَوْنِها مَحْضَ خُرافَةٍ في فَضَاءاتٍ خالِيَةٍ مِنَ التَّفْكِيرِ، ورَغْمَ كَوْنِها نِتاجَ عَقْلٍ يَحْتَوِيها ويَمْنَحُها تَجَلِّياتِها المُخْتَلِفَةَ. وَلكِنَّها قَدْ تَظْهَرُ فِي أَوْجِهَا لَـحْظَةَ المَوْتِ المَعْرِفيِّ لِمُنْتِجِها، لِيَتَضَمَّنَها المَوتُ حَيْثُ الحَياةُ حِينَئِذٍ تَفْقِدُ مُسَوِّغَها. مَوْتُ النَّبْضِ ومَوْتُ العَقْلِ لَيْسَا سَوَاءً، ولَكِنَّهُما مَوْتٌ، رَغْمَ اخْتِلافِ صُورَةِ الواحِدِ مِنْهُما ومُحتَواهُ عَنِ الآخَرِ.. رَتابَةُ الحَياةِ مَوْتٌ، والحَياةُ تَحْمِلُ مَوْتَها في مُحتَوَاهَا آنَ تُصْبِحُ عَدِيمَةَ الجَدْوَى وتَفْتَقِرُ الأَزْمَةَ، لِأَنَّ الأَزْمَةَ نَقِيضَةُ المَوْتِ، وجَوْهَرُ الحَياةِ المُغايِرُ. أَنا وأَنْتَ رُهابٌ مُزْدَوَجٌ مِنْ غَيْرِ خَلاصٍ…
… … …
هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ سَعِيدًا؟ دَعْنا نَفِيقُ ونَنْسَى الأَمْسَ…
كُلَّما طالَ سُباتُكَ، عَجِلَ مَوتِي…
بالصدفة وقعت على هذا الموقع و هذه التدوينة..
لن أقول بأنها رائعة جداااااا لأني لا أعتقد بأن رسالتي ستصل.. و هذا ما يحزنني
شكرًا لك، ندى. رسالتك وصلت، ونعتذر على التأخّر بالردّ. سوف نحاول جهدنا للعمل أكثر. نعدك بذلك.
رائع جدا
شكرًا لك، الفقيه اسماعيل.
استمروا استمروا استمروا
شكرًا لك، منار. نعدك بالاستمرار.
حقيقه أن السيد /ادون.. ، رائع!!
شكرًا لك، نهيد عمر أحمد فرحانه. سنوصل رأيك للكاتب.
الكاتب هذا يجيد خياطة الكلمات ونسجها بتجانس مع المشاعر بشكل فظيع ، ننتظر المزيد
نتذوق بصمت
شكرًا على توصيفك العميق، أبو القاسم الخاشب.
هل ممكن اسأل عن معنى ”الغرانيتية” ؟
شكرًا هديل على سؤالك.
الغرانيتيّة هي صيغة النسب من الغرانيت، وهو صخر جوفي ناري يتشكّل في وسط مرتفع الحرارة. نقول مثلًا: حجر غرانيتيّ وقطعة غرانيتيّة. وفي النصّ: سطور غرانيتيّة. أمّا بخصوص المعنى الذي قصده الكاتب، فهذا أمر يمكننا تخمينه وحسب، ولكن بإمكانك القيام ببحث بسيط في الإنترنت عن صور لهذا الصخر عساك تجدين فيها سبيلًا إلى تشكيل صورة عن مقصد الكاتب.
نرجو أن تكون إجابتنا وافية، وأهلًا بك دائمًا.